(( ولكن الله يهدي من يشاء ))
كان أبو أسعد على سرير الموت حينما قال له جاره : (( قل لا إله إلا الله )) فقالها
أبو أسعد وكررها مع تكرار جاره لها ، إلى أن فارق الحياة .
أبو أسعد رجل طيب القلب ، تمتلئ نفسه بالمشاعر الإنسانية السامية والأخلاق الحسنة ... يساعد المحتاجين ويتبرع للفقراء والمساكين بما يستطيع على رغم أنه متوسط الحال لا بالفقير ولا بالغني .. كان يعمل في محل صغير لبيع الأحذية لتحصيل رزقه ورزق أسرته ، وكان متسامحاً في البيع و الشراء ، كان محبوباً من أهل الحي .. عاقلا وقوراً يحترمه الجميع كبر أولاده وأكملوا تعليمهم بعد أن حرص أبوهم على ذلك ورفض أن يتركوا دراستهم ليساعدوه في الانفاق ، وهكذا ضرب المثل في الابوة المتفانية التي وهبت أبناءها
المال و الأخلاق الحسنة و التربية السليمة حتى صار أولاده مثله ونالوا مدح الجميع .
بدأ أبو أسعد يشكو من ألم في قلبه ينتابه بين فترة وأخرى ، وصارت أم أسعد والأولاد في حالة قلق على صحته ، لا سيما أنهم يحاولون إقناعه بالذهاب للطبيب دون جدوى إذ كان يقول (( عارض في كبر السن ولا فائدة من علاجه )) . كما حاولو معه أن يترك العمل في محله ويرتاح في بيته فلم يفلحوا فقد كان يجد نفسه في العمل ولا يستطيع تركه .
وذات يوم دق أبو خالد باب بيت أبي أسعد ، وأبو خالد هو صاحب المحل المجاور لمحل
أبو أسعد واستقبله ابنه الكبيرأسعد ليخبره أن أباه مر بحالة من الإغماء في محله ، وقد صحا منها ، ورفض الذهاب للطبيب ، فأسرع أسعد إلى أبيه وأصر على أن يأخذه إلى المستشفى ، عندها رضخ الأب لهذا الأمر لما يشعر به من التعب الشديد .
بعد وصولهما للمستشفى قام الأطباء بالفحوصات اللازمة ليؤكدوا لأسعد إن قلب أباه في حالة خطر تستدعي متابعته في المستشفى . وذات مرة صحا الابن ـ الذي نام على كرسيه من شدة التعب ـ على صوت حشرجة في التنفس مع تأوه الألم ، فوجد أباه في حالة يرثى لها ، وفوراً التفت الابن إلى الرجل المريض النائم على السرير بجانب سرير أبيه وطلب منه الانتباه إلى والده ريثما يحضر الطبيب .
ذهب الابن باحثا عن الطبيب ، وفي غيابه شعر جار أبي أسعد في المستشفى أن أبا أسعد يلفظ أنفاسه الأخيرة فقال له ( قل لا إله إلا الله )) فقال أبو أسعد ( لا إله إلا الله )) كرر الجار ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله )) . فأعاد أبا أسعد ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله )) ومازال الجار يكررها وأبو أسعد يعيدها إلى أن مضت دقائق وتوفاه الله . بعد فترة أتى الابن مسرعا متضايقا لأنه لم يجد الطبيب فإذا به يفاجأ بوفاة أبيه ، نزلت الدموع من عينيه وبكى بكاء مريرا ، والجار المريض يهدئه ويواسيه ويقول له ( احمد الله يا بني ، إن خاتمة أبيك حسنة وسيدخل الجنة بإذن الله ، فقد لقنته الشهادة ونطقها عدة مرات كاملة )) . ذهل الابن وقال ( ماذا ؟ ... كيف نطقها ؟ )) أكد الجار بقوله ( لقد قلت لأبوك : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله )) . سأل الابن : (( هل أنت متأكد من ذلك ؟ )) أجاب الرجل ( نعم ، لقد رددها عدة مرات ، ولكن لماذا أنت متفاجئ بهذا الأمر ؟! )) أجاب الابن ( لأننا نصارى ، ولسنا مسلمين )) . دهش الجار المريض وقال : (( لم أكن أعلم )) ثم استدرك بقوله ( ولكن الله أراد لوالدك الهداية والخير ، فقدر له أن ينطق الشهادة ويسلم قبل موته )) . صمت الابن دقائق ثم قال ( إذا قدر الله ذلك لأبي الانسان الطيب عند وفاته ، فالأحرى بي أن أنطقها لعل الله لا يقدر لي الهداية في وقت آخر ... أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله )) تبسم الجار المريض بفرح وتلا قوله تعالى ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )) .